فصل: مسألة يحلف لامرأته ألا يطأها إلا أن تطلب إليه ذلك فتأبى المرأة أن تطلب ذلك إليه:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة يحلف لامرأته ألا يطأها إلا أن تطلب إليه ذلك فتأبى المرأة أن تطلب ذلك إليه:

وسئل سحنون عن الرجل يحلف لامرأته ألا يطأها إلا أن تطلب إليه ذلك فتأبى المرأة أن تطلب ذلك إليه، فيكون موليا.
قال سحنون: الحق لها فليس عليه الإيلاء ما لم تطلبه وإن أقام أكثر من أربعة أشهر.
قال محمد بن رشد: في كتاب ابن سحنون، قلت له: قد قيل: إنه مولى ولا يكون قيامها به سؤالا حتى تسأله، فعابه وقال: منع الوطء بسببها، وهو قول له وجه؛ لأنه متعدي في حلفه ألا يطأها حتى تسأله ذلك؛ لأن المرأة تستحي أن تفصح بطلب ذلك، وقد تزوجته على ذلك فلا ينبغي أن تلزم المشقة بالإفصاح بطلبه وقد قال الله تعالى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} [البقرة: 226] فعم ولم يخص.
وأما من قال: إن وطئتك فأنت طالق إلا أن تأتيني فهو مولى إذ ليس عليها أن تأتيه روي ذلك عن مالك، وهو صحيح، والحجة في ذلك أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يأتي أزواجه في بيوتهن وبالله التوفيق.

.مسألة يقول لامرأته إن وطئتك أبدا فكل عبد اشتريته بمصر أنه حر:

من سماع أبي زيد من ابن القاسم قال ابن أبي زيد: وسئل عن الرجل يقول لامرأته: إن وطئتك أبدا فكل عبد اشتريته بمصر أنه حر أنه ليس بمولي.
قال محمد بن رشد: قد قال ابن القاسم: إنه مولي، والقولان في المدونة في هذه المسألة وفي ما كان من معناها لا يلزم الحالف بالحنث فيه شيء، وإنما ينعقد عليه فيه حكمه مثل أن يحلف ألا يطأ امرأته في السنة إلا مرة أو ألا يطأ إحدى امرأتيه ولا نية له، أو يقول: إن وطئت امرأتي فهي علي كظهر أمي، أو إن وطئتها فوالله لا أطؤها على مذهب من يقول في الحالف بالطلاق ثلاثا ألا يطأ، أنه يمكن من الوطء وما أشبه ذلك من المسائل، وبالله التوفيق.

.مسألة تحته أمتان فتآلا منهما ثم اشترى إحداهما:

قال ابن القاسم في رجل تحته أمتان فتآلا منهما ثم اشترى إحداهما، فقال: يقع عليه إيلاء التي اشترى.
قال محمد بن رشد: قوله يقع عليه إيلاء التي اشترى، معناه يقع عنه أي يسقط عنه إذ لا حق للأمة من ملك اليمين في الوطء على سيدها فيلزمه الإيلاء فيها، ويدل على أن الإيلاء لا يكون إلا في الزوجات أيضا قول الله عز وجل: {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 227].
تم كتاب الإيلاء بحمد الله وعونه، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه.

.كتاب اللعان:

.مسألة الملاعنة تلد توأما غلامين في بطن واحد فيهلك أحدهما ويترك مالا:

.كتاب اللعان:

من سماع عبد الرحمن بن القاسم من مالك بن أنس رَحِمَهُ اللَّهُ قال سحنون: أخبرني ابن القاسم عن مالك، قال: سمعت مالكا يقول في الملاعنة تلد توأما: غلامين في بطن واحد فيهلك أحدهما ويترك مالا فبأي شيء ترى أن يتوارثا؟ أبوراثة الأخوة للأم أم الأخوة للأب.
قال: بل لوراثة الأب، وليس هو عندي كذلك الزنا؛ لأن ذلك لا أب له، ولأن هذا لو قال له أحد: ليس أبوك فلان جلد الحد، فأرى أن يتوارثا بوراثة الأب.
قال محمد بن رشد: الأتوام الذين لا يعرف آباؤهم أربعة، أتوام الزانية وأتوام المسبية والمستأمنة، وأتوام الملاعنة، وأتوام المغتصبة.
فأتوام الزانية يتوارثان من قبل الأم خاصة.
وأتوام المسبية والمستأمنة يتوارثان من قبل الأب والأم، واختلف في أتوام الملاعنة والمغتصبة، فالاستحسان في أتوام الملاعنة أنهم يتوارثان من قبل الأم والأب؛ لأن الفراش لهما معروف، ولو استلحقهما الأب للحقا به، وهو قول مالك في هذه الرواية، والقياس فيهم أنهم لا يتوارثون إلا من قبل الأم؛ لأن نسبهما من الأب منقطع وهو قول المغيرة وابن دينار، وكذلك القياس في أتوام المغتصبة ألا يتوارثان إلا من قبل الأم؛ لأن نسبهما من الأب منقطع، وإذ لا فراش لهما، ولو استلحقهما الغاصب لم يلحقا به وهو قول أصبغ، وقيل: إنهم يتوارثون من قبل الأم والأب استحسانا من أجل درء الحد عنهما وهو قول ابن القاسم في سماع يحيى من كتاب الاستلحاق فيه وفيه ضعف وإنما كان القياس فيهما ألا يتوارثا ألا من قبل الأم على الأصل؛ لأنه لا ميراث لابن الزنا من أبيه وإن عرف أنه أبوه بما ثبت من قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الولد للفراش وللعاهر الحجر» وهو قول مالك في هذه الرواية، أن ولد الزنا لا أب له، يريد أنه لا أب ينتسب إليه ولوارثه على حال إذ قد عرف أن له أبا؛ لأن جميع البشر لهم أب إلا: عيسى ابن مريم وآدم وحواء وأما من ذهب إلى أنه إنما لم يورث ابن الزنا من أبيه من أجل أنه لا يعرف أنه أبوه إذ لا فراش له، وأنه لو عرف لورثه، وأنه لو استلحقه لحق به، بدليل إجماعهم أنه يرث أمه وترثه، وهو مذهب أبي حنيفة والنخعي وإسحاق بن راهويه فالأتوام كلهم كيف ما كانوا يتوارثون من قبل الأب والأم، إذ قد علم أنهم لأب واحد، كما أنهم لأم واحدة، وإلى هذا ذهب ابن نافع، فقد روى عنه أن أتوام الزانية يتوارثون من قبل الأم والأب وبالله التوفيق.

.مسألة يغيب عن أهله ثم يقدم وقد ماتت امرأته وتركت ولدا كان بعده، فأنكره:

كتاب قطع الشجر قال مالك في الرجل يغيب عن أهله ثم يقدم وقد ماتت امرأته وتركت ولدا كان بعده، فأنكره، أنه يلتعن ويبرأ من الولد، ويكون له من الميراث من امرأته التي لاعن.
قال محمد بن رشد: مثل هذا حكى ابن حبيب في الواضحة عن ابن الماجشون، قال في سؤاله وادعى الاستبراء وزاد قال: وقال إذا جاء كنت رأيتها تزني وأراد أن يلتعن فليس ذلك له ويحد، وهو كمن رمى امرأة طلقها، وكذلك في كتاب ابن المواز ولا اختلاف في أن له أن يلاعن إذا نفى الحمل وادعى الاستبراء واختلف إذا نفاه ولم يدع الاستبراء. على قولين هما في المدونة.
وقوله: إن لها الميراث صحيح لأنها زوجة ما لم تلتعن هي بعده، وهو قول ربيعة ومطرف واختيار ابن حبيب، وقيل: ما لم يلاعن الزوج، وهو ظاهر قول مالك في موطأه ومذهب الشافعي وقول عبد الله بن عمرو بن العاص في المدونة، وقيل: إن الفرقة تجب بلعان الزوج إن التعنت المرأة وهو مذهبه في المدونة لأنه قال فيها: إن التعن هو فماتت هي قبل أن يلتعن ورثها، وإن مات هو ورثته إن لم تلاعن وبالله التوفيق.

.مسألة دخل بامرأة ثم طلقها وادعى أنه لم يمسها وصدقته ثم ظهر بها حمل:

وقال مالك فيمن دخل بامرأة ثم طلقها، وادعى أنه لم يمسها وصدقته، ثم ظهر بها حمل فادعت أنه منه وأقر بذلك: إنه يكمل لها الصداق ويلحق به الولد وتكون به الرجعة.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة المعنى، قال: إنه يكمل لها الصداق، لإقراره بما ادعت من أن الحمل منه، وقال: إنه تكون له الرجعة من أجل أنها في عدة منه حتى تضع حملها، لقول الله عز وجل: {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] ولا يتهم على أنه أقر بالحمل ليكون له الرجعة لأن إلحاق النسب يدفع التهمة.
ولو مات فظهر الحمل بها بعد موته فزعمت أنه منه للحق به الولد أيضا ولم يكن لها ميراث ولا أكثر من نصف الصداق، وقد قيل لها الميراث إن كان مات قبل انقضاء العدة، ولها جميع الصداق، وقد مضى ذلك في رسم لم يدرك من سماع عيسى من كتاب النكاح والحمد الله.

.مسألة العبد يلاعن الحرة ثم يكذب نفسه فيلحق به الولد كم يحد:

من سماع أشهب وابن نافع من مالك من كتاب الطلاق قال سحنون: وقال أشهب وابن نافع: سئل مالك عن العبد يلاعن الحرة ثم يكذب نفسه فيلحق به الولد كم يحد؟ قال: الحد أربعين، قيل له: أرأيت إن كانت امرأته أمة فلاعنها ثم أكذب نفسه فألحق به الولد أعليه حد؟ قال: ليس عليه شيء.
قال محمد بن رشد: قوله: إن العبد يحد أربعين إذا لاعن زوجته الحرة ثم أكذب نفسه صحيح على مذهبه في أن حد العبد في الفرية نصف حد الحر قياسا على حد الزنا وهو قول جماعة فقهاء الأمصار، وروي عن ابن مسعود أن حده ثمانون، وهو القياس لأن النصراني إذا كان يحد في الفرية ثمانين ولا ينقص من ذلك شيئا لنقصان مرتبته عن مرتبة الحر، لما تعلق في ذلك من الحق للمقذوف، فكذلك العبد، وهو قول عمر بن عبد العزيز في الموطأ.
وقوله: إذا كانت زوجته أمة إنه لا شيء عليه، معناه من الحد وإنما عليه الأدب لإذايته إياها بما نسب إليها وكذب فيه عليها.

.مسألة يقول زنت امرأته فيقال له أرأيت ذلك فيأبى أن يقول نعم ويمضي على اللعان:

وسئل عن الذي يقول زنت امرأته، فيقال له: أرأيت ذلك؟ فيأبى أن يقول نعم، ويمضي على اللعان، فله أن يلاعن؟ فقال: إنما يجب اللعان بأحد وجهين، يقول قد استبرأت أو يقول قد رأيت.
قيل له: فالأعمى يلاعن؟ قال: الأعمى يلاعن، يقول: قد سمعت الحس وليس هذا مثله، وقد قال في أول الكتاب: لا يكون اللعان إلا ببيان رأيتها تزني.
قال محمد بن رشد: قوله إنما يجب اللعان بأحد وجهين، يقول قد استبرأت يريد في نفي الحمل، أو يقول قد رأيت، وهو أحد قولي مالك في المدونة، وله فيها قول آخر أنه إذا قذف أو نفى حملا لم يكن مقرا به لاعن ولم يسأل شيئا.
وتحصيل هذه المسألة أن اللعان على ستة أوجه ثلاثة منها متفق عليها، وثلاثة مختلف فيها.
فالمتفق عليها أن ينفي حملا لم يكن مقرا به ويدعي الاستبراء، وأن يدعي رؤية لا مسيس بعدها في غير ظاهرة الحمل، وأن ينكر الوطء فيقول: ما وطئتها قط أو منذ وضعت أو منذ مدة كذا لما لا يلحق إلى مثله الأنساب.
والمختلف فيها أن يقذف زوجته ولا يدعي رؤية، وأن ينفي حملا ولا يدعي الاستبراء، وأن يدعي رؤية لا مسيس بعدها في حامل بينة الحمل لأن ابن الجلاب حكى عن مالك فيها ثلاث روايات، إيجاب الحد ولا لعان، وثبوت النسب، وإيجاب اللعان وسقوط النسب به.
وقوله: إن الأعمى يلاعن وإن لم تصح منه الرؤية صحيح مثل ما في المدونة؛ لأن العلم قد يقع له من غير طريق الرؤية من جس وحس وما أشبه ذلك، وعلى هذا القول فإن القاذف لزوجته يحد ولا يلاعن، وأما على القول بأنه يلاعن إذا قذف فالأعمى والبصير في ذلك سواء.

.مسألة الملاعن أيرضى منه بأن يقول رأيتها تزني أم يوقف على ذلك كما يوقف الشهود:

وسئل عن الملاعن أيرضى منه بأن يقول رأيتها تزني أم يوقف على ذلك كما يوقف الشهود؟.
فقال: كنت أرى أن يوقف على ذلك حتى يقول كما يقول الشهود.
قال محمد بن رشد: قد روى ابن نافع عن مالك أنه لا يكشف عن ذلك كما يكشف الشهود، وجه القول الأول أن الله قد سماه شاهدا فوجب أن يكون عليه في ادعائه الرؤية ما يكون على الشاهد، ووجه القول الآخر، أنه ليس بشاهد على الحقيقة؛ لأنه لا يشهد أحد لنفسه، ونما سماه الله شاهدا من ناحية المشاهدة بالعين والقلب، فالمعنى في ذلك حصول العلم ألم تر أن مالكا قد قال في أحد أقواله: إن من قذف زوجته يلاعن وإن لم يدع رؤية، فإن كان قد قيل إنه يلاعن وإن لم يدع رؤية فكشفه عن صفة الرؤية إذا ادعاها إغراق والله أعلم.

.مسألة ملاعنة العبد أهي مثل ملاعنة الحر يشهد خمس مرات:

وسئل عن ملاعنة العبد أهي مثل ملاعنة الحر؟ يشهد خمس مرات؟.
قال: نعم في رأيي مثل لعان الحر.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} [النور: 6]، الآية ولم يخص في ذلك حرا من عبد، فوجب أن يستوي في ذلك الحر والعبد.

.مسألة لعان العبد والأمة:

وسألته عن لعان العبد والأمة.
فقال: أربع مثل لعان الحرة، فإنه لا يجب عليه الحد ألا بأربعة شهداء.
قال محمد بن رشد: اعتبار مالك رَحِمَهُ اللَّهُ عدد أيمان العبد في ملاعنة الأمة بعدد الشهود الذين يقام عليها بهم الحد اعتبار صحيح؛ لأن الله تعالى قال: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} [النور: 4]، وقال: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ} [النور: 6]، فدل ذلك على أن الله تعالى جعل كل يمين من لعان الزوج بإزاء شهادة كل شاهد يشهد على محصنة بالزنا وعلى أن آية اللعان على عمومها في جميع الأزواج والزوجات أحرارا كانوا أو عبيدا وبالله التوفيق.

.مسألة يلاعن امرأته وهي حامل فيمكث سنين ثم يكذب نفسه ويدعي الولد:

من سماع عيسى بن دينار من ابن القاسم من كتاب إن خرجت من هذه الدار قال عيسى: سئل ابن القاسم عن الرجل يلاعن امرأته وهي حامل فيمكث سنين ثم يكذب نفسه ويدعي الولد، هل عليه نفقتها الذي حملت فيه الولد؟.
قال: إن كان يوم حملها موسرا مثله ينفق فالنفقة لها لازمة.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال، وهو مما لا اختلاف فيه، ومثله في المدونة، وزاد فيها: وإن كان في بعض الحمل موسرا وفي بعضه معسرا لزمه ما كان فيه موسرا وسقط عنه ما كان فيه معسرا، وزاد في كتاب ابن المواز: وعليه أيضا أجر الرضاع ونفقته بعد ذلك إن كان مليا، وبالله التوفيق.

.مسألة ينفي حمل المرأة التي لم يدخل بها:

ومن كتاب باع امرأته:
قلت: فالرجل ينفي حمل المرأة التي لم يدخل بها؟.
قال: يلتعنان، قلت: فإن التعن فأبت أن تلتعن؟ قال: تضرب مائة وإذا نكلت عن اللعان أو صدقته بإقرار وتقيم تحته كما كانت وتبرأ من الحمل وتكون امرأته بحالها فلا شيء عليه.
قلت: فالنصرانية تكون تحت المسلم فينتفي من حملها فيلتعن فتأبى أن تلتعن؟ قال: يبرأ من الحمل.
قال محمد بن رشد: قوله في الذي ينفي حمل المرأة التي لم يدخل فيها إنهما يلتعنان، يريد وينفي الولد عن نفسه، ومعناه إذا كان ما ادعت امرأته من أنه كان يغشاها قبل أن يدخل بها يمكن وقد جاءت بالولد لستة أشهر فأكثر من يوم تزوجها، ولها نصف الصداق ولا سكنى عليه ولا متعة، قاله في المدونة، فإن جاءت بالولد لأقل من ستة أشهر أو ظهر بها حمل في أيام لا يشك أن الحمل قبل العقد، فلا صداق لها ولا لعان فيها، فإن لاعن قبل أن يوضع الحمل فأتت به لأقل من ستة أشهر لم يكن لها من الصداق شيء ولم يحرم عليه نكاحها بالتعانهما؛ لأنها كانت غير زوجة، قاله ابن الماجشون ومحمد ابن المواز، وهو بين في المعنى.
وقوله: إنه إذا التعن وأبت أن تلتعن تضرب مائة وتقيم تحته كما كانت بمنزلة النصرانية تنكل عن اللعان خلاف قول سحنون في نوازله إن ملاعنته إياها ونكولها عن اللعان قطع للعصمة، وقول ابن القاسم هو الصحيح على قولهم إن العصمة لا تنقطع بين الزوجين إلا بتمام اللعان من المرأة إذ لا فرق على هذين القولين بين أن تنكل عن اللعان بعد لعان الزوج أو تصدقه قبل اللعان على أن الولد ليس منه، ولا اختلاف بينهم إذا صدقته أنها تحد وتكون زوجته إن شاء طلق وإن شاء أمسك، كذلك قال هاهنا وفي كتاب الرجم من المدونة، وإنما اختلفوا هل ينتفي الولد منه دون لعان أو لا ينفيه إلا بلعان، وقد أنكر أبو بكر بن محمد قول سحنون لمخالفته الأصول، وبالله التوفيق.

.مسألة غاب عن امرأته عشر سنين أو أكثر فوجدها قد ولدت أولادا فأنكر الأولاد:

ومن كتاب الرهون:
وقال في رجل غاب عن امرأته عشر سنين أو أكثر فوجدها قد ولدت أولادا فأنكر الأولاد، وقالت المرأة: هم منك كنت تأتيني سرا. إنه لا يبريه من ولدها ومن الحد إلا أن يلتعن.
قيل: فإن قذف أحد من ولدها قبل أن يقدم أبوه، قال:
يجلد الحد إذا قال له: ليس أبوك فلان أو قال له: يا ابن زانية أو يا ابن الزانية إنه يضرب الحد، وإنما قذفه من قبل أن يقوم أبوه فيما يلزم من قذفه، بمنزلة ما لو قذف بعد أن يلتعن أبوه ويبرأ منه يلزمه في ذلك ما كان يلزمه في هذا قال: وإن مات قبل أن يقدم أبوه ألحق به الولد وحد كل من قذفه وورثوه.
قال محمد بن رشد: قوله: إنه لا يبريه من ولدها ومن الحد إلا أن يلتعن، معناه إذا كان ما ادعت المرأة من أنه كان يأتيها في مغيبه سرا يمكن على ما قال في المدونة في الذي ينفي حمل امرأته قبل الدخول وتدعي أنه منه وأنه كان يغشاها في أهلها وقد ذكرنا ذلك في رسم جاع.
ولو قدم بعد الغيبة الطويلة وقد ماتت المرأة فنفى ولدها لالتعن إذا كان لم يعلم به قبل ذلك، وورثها، قاله ابن القاسم في المدونة ومعناه إذا أمكن أن يكون الولد منه والله أعلم.
وأما لو علم مغيبه بالبينة العادلة في الأرض النائية المدة الطويلة التي لا يحلق في مثلها الأنساب فأنكر الأولاد لوجب أن لا يلحقوا به وأن تحد لما تبين من كذبها فيما ادعته والله أعلم، وفي كتاب ابن سحنون لأشهب أن الغائب إذا قدم فوجد ولدا فقال: هذا ليس ابني ولا ابنك أنه يحلف ما أراد قذفا ولا شيء عليه إلا أن يريد لعانا فيمكن من ذلك.

.مسألة يغيب عن امرأته سنين فتلد ولدا فتقول المرأة ليس هو من زوجي:

وقال في الرجل يغيب عن امرأته سنين فتلد ولدا فتقول المرأة: ليس هو من زوجي ولا هو من رجل آخر، ثم يموت زوجها قبل أن يقدم: إنه يقام على المرأة الحد إذا أقامت على ذلك ولا تبن عنه ولا ينفي ذلك ولدها ومن نفى ولدها من أبيه كان عليه الحد وورث أباه.
قال محمد بن رشد: وهذا إذا أمكن أن يكون الولد منه على ما ذكرناه في المسألة التي فوقها والله أعلم.

.مسألة تزوج أمة وشرط أن ولده منها حر ثم لاعنها:

ومن كتاب يدير ماله:
وسئل عن رجل تزوج أمة وشرط أن ولده منها حر، إن الولد حر، قيل: فإن لاعنها؟ قال: هو حر، وإن لاعنها، قيل: فإن صدقته فيما قال فأقرت بالزنا وقالت: ليس ولده؟ قال: فهو رقيق إذا صدقته إلا أن يستلحقه يوما، فإن استلحقه يوما ما لحق به ولم ينظر في قولها إنه ليس ولده إذا زعم أنه ولده ويعتق إذا استلحقه.

.مسألة لاعنها ونفى الولد عن نفسه:

قال القاضي: لما كان إذا لاعنها ونفى الولد عن نفسه يجلد الحد من نفاه عنه وجب أن يكون حرا بهذه الشبهة. وأما إذا صدقته بما قال فقد انتفى منه بكل حال، وكان ولد زنا لا حد على من نفاه عنه فلم تكن له شبهة يعتق بها ما لم يستلحقه أبوه وبالله التوفيق.

.مسألة يطلق امرأته البتة ثم يزعم أنه رآها تزني بعد طلاقه إياها أيلاعن:

ومن كتاب يحيى بن يحيى من ابن القاسم من كتاب الصبرة:
قال يحيى: وسألته عن الرجل يطلق امرأته البتة ثم يزعم أنه رآها تزني بعد طلاقه إياها أيلاعن أم يكون بما ادعى من الرؤية قاذفا؟.
فقال: أما ما كانت في عدتها فيلاعن بما ادعى من الرؤية، فإذا انقضت عدتها فادعى أنه رآها تزني كان قاذفا، ولا يجوز له. أن يلاعن.
قلت له: أرأيت إن انقضت عدتها ثم ظهر بها حمل في زمان يرى أن النساء يحملن لمثله أيلحق به الولد؟.
قال: نعم إلا أن ينتفي من ذلك الحمل فيلاعن.
قلت: أرأيت إذا صار الحمل يلزمه إلا أن يلاعن فلم لا يكون له أن يلاعن بما يدعي من الرؤية للزنا بعد انقضاء العدة وهو يقول: أخاف أن يظهر بها حمل يلحقني فأنا رأيت ما رأيت من سوء فعلها فأنا أخبر به السلطان لأبرأ من حمل إن ظهر باللعان.
قال محمد بن رشد: اختلف فيمن ادعى أنه رأى زوجته تزني وهي في عدتها منه من طلاق بائن على ثلاثة أقوال، أحدهما: قول ابن القاسم هذا أنه يلاعن بما ادعى من الرؤية ولا يحد، والثاني: أنه يحد ولا يلاعن وهو قول ابن المواز، والثالث: أنه لا يحد ولا يلاعن، معناه إلا أن يظهر بها حمل فيكون له أن يلاعن لنفيه عن نفسه، وهو قول المغيرة، وإليه مال سحنون.
ووجه القول الأول: أن العدة لما كانت من توابع العصمة، وكانت حقا للزوج على المرأة حفظا لنسبه كان له أن يراعي أمرها فيها وعذر في الأخبار بما رأى من زناها لما في ستر ذلك من المضرة به في إدخال الداخلة عليه في نسبه فخرج له المخرج من ذلك باللعان كما قال الله، مخافة أن يموت فتأتي بولد فيلحق به.
ووجه القول الثاني: أنه لما لم يكن بها حمل ظاهر كان بما ادعى من رؤيته لزناها قاذفا إذا عجل بالإخبار بذلك قبل أن يظهر بها حمل، فوجب أن يحد لأنه قذف من ليست له بزوجة إذ قد خرجت من عصمته بالطلاق البائن، ثم إن ظهر بها حمل كان له أن يلاعن؛ لينفي الولد عن نفسه.
ووجه الثالث: أنه عذره بما ادعى من الرؤية مخافة أن يموت فتأتي بولد فيلحق به فأسقط عنه الحد، ولم ير أن يعجل باللعان إذ قد لا يكون بها حمل فلا يحتاج إليه.
وأما إذا ادعى أنه رآها تزني بعد أن انقضت عدتها فهو قاذف فوجب أن يحد لأنها كالأجنبية إذ لم يبق بينه وبينها سبب من أسباب العصمة إلا إن ظهر بها حمل فيكون له أن ينفيه.
وأما إن كانت في عدة منه من طلاق غير بائن فحكمها في جميع وجوه اللعان كحكم التي هي في عصمته، ولو ادعى بعد أن طلقها البتة أنه رآها تزني قبل أن يطلقها لحد ولم يلاعن، قاله ابن القاسم في التفسير الثالث من العشرة، وبالله التوفيق.

.مسألة طلق امرأته فنكحت في عدتها قبل أن تحيض شيئا:

ومن كتاب أصبغ من ابن القاسم:
قال أصبغ: من طلق امرأته فنكحت في عدتها قبل أن تحيض شيئا؟ قال: قول مالك إن الولد للأول متى ما جاءت به لأدنى من ستة أشهر ولأكثر ما بينهما وبين خمس سنين.
قلت: فإن نفاه الأب، فقال: قد استبرأتها قبل أن أطلق؟ قال: يلتعن الأب إذا وينفي الابن عن نفسه ولا تلتعن المرأة لأن للولد هاهنا سببا وأبا يلحق به، وفراشا قائما وهو الزوج الثاني إن كانت ولدته لستة أشهر فأكثر من يوم دخل بها الثاني، وإن كانت جاءت به لأقل من ستة أشهر فهو منقول من الأب الأول باللعان ومنهما جميعا لأن الثاني هاهنا بريء منه.
فإن قال الثاني إذا جاءت به لستة أشهر فأكثر ونفاه الأول: إنه ليس مني وقد استبرأتها بعد أن وطئتها التعن والتعنت، ولابد لها من اللعان هاهنا، بمنزلة الزوج الواحد؛ لأن الولد ليس له نسب بعد يلحق به إلا هذا الأب فلا يدفعه هذا عن نفسه إلا بلعان منه، أو بانتفاء وتصديق منها له.
ولو كان دخوله بعد حيضة أو حيضتين فإن جاءت به لأدنى من ستة أشهر فهو للأول، والثاني منه بريء ولا ينفيه الأول إلا بلعان على نحو ما فسرت لك وإن جاءت به لستة أشهر فأكثر فهو للآخر إلا أن ينفيه ويدعي الاستبراء منه فيلتعن ويبرأ منه، ولا تلتعن المرأة ويرجع الولد هاهنا إلى الأول فيلحق به لأن فراشه قائم حين برئ منه الآخر، إلا أن يدعي أنه استبرأها لبل أن يطلقها فتلتعن هي وهو هاهنا؛ لأن الولد قد انقطع نسبه ولم يبق أب يلحق به.
قلت: فمن لاعنها منهما وحده ولم تلتعن هي لأن الولد لحق بالآخر أتحل للذي لاعنها ولم تلاعنه؟ قال: لا؛ لأن لعانه قد تم ونفل به الولد.
قلت: فمن استلحقه لحق به؟ قال: نعم، ويحد قلت: فإن استلحقه الآخر أيضا بعد ذلك؟ فقال: يحد ولا يلحق به لأن نسبه للمستلحق الأول.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة على أصولهم، وتحصيلها بتلخيص أنها إذا أتت بولد قبل ستة أشهر من يوم دخل بها الثاني فهو للأول إلا أن ينفيه بلعان فإن التعن حدت إلا أن تلتعن، والثاني منه بريء كان قد دخل بها بعد حيضة أو قبل حيضة.
وإن أتت به لأكثر من ستة أشهر فهو للأول إن كان دخل بها الثاني قبل حيضة ألا أن ينفيه بلعان، فإن التعن حدت إلا أن تلتعن فيلحق بالثاني، ولا تلاعن المرأة إلا أن ينفيه الثاني أيضا، وللثاني إن كان دخل بها بعد حيضة إلا أن ينفيه بلعان فيلحق بالأول ولا تلاعن المرأة إلا أن ينفيه الأول أيضا، ويختلف منها في موضعين: أحدهما: هل تحرم على الذي لاعنها منهما ولم تلاعنه إذا لحق بالآخر؟ فقال أصبغ هاهنا: إنها تحرم عليه، وقال سحنون: لا تحرم، وهو قول ابن المواز، والقياس على المشهور في المذهب من أن الفرقة لا تقع بين المتلاعنين إلا بتمام لعان المرأة بعد الزوج، وقول أصبغ يأتي على قياس القول بأن الفرقة تقع بينهما بتمام لعان الزوج، وهو ظاهر قول مالك في موطأه ومذهب الشافعي وقول عبد الله بن عمرو بن العاص في المدونة، والثاني: إذا التعنا ثم استلحقه الذي لاعنها أولا ولم تلاعنه لأنه لحق بالآخر هل يحد أم لا يحد؟ قال أصبغ: إنه يحد، وقال سحنون وابن المواز: لا يحد إذ لم ينفه أولا إلى زنى وإنما نفاه إلى الأب الآخر الذي نفاه بعد.
ومن استلحقه منهما أولا بعد التعانهما لحق به ولم يقبل للثاني بعد فيه دعوى.
وإن استلحقاه كلاهما بعد التعانهما كان الأول أحق به وبالله التوفيق.